وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ

قال تعالى بسورة الفلق : ” وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) ” فما هى هذه النفاثات فى العقد ؟

أجاب عن هذا السؤال الشيخ محمد متولى الشعراوى بكتابه الفتاوى

إن فسرناها بأنهن الساحرات أو السحرة على إطلاقهم ، هنا العلماء وقفوا موقفا من هذه الآية و كذلك موقف من
قوله تعالى ” وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ {5}” فى الآية التى تليها .

قال العلماء إن هذه الآية جاءت لنا بنقطتين وقف العقلانيون فيهما ..
كيف يوجد شئ يسحر و شئ يحسد إذ أنكر العقلانيون السحر و قالوا أنه لا يوجد
سحر إطلاقا ذلك لأنه لم يخضع لقضية عقلية عندهم كما أنكروا الحسد أيضا و
لأنه لم يخضع أيضا لقضية عقلانية كذلك و كما يقولون عن المدرسة العقلانية
أنها نية حسنة . ولكن المدينة الحاضرة و النهضة العصرية التى بدأ الشرق
العربي و الشرق الإسلامى أن يتعلق بأسبابها من الغرب فتنت العاقوال بهذيه
الأشياء . و بعد ذلك جاء العقلانيون يتدخلون فى قضايا الإيمان الغيبية بأن
يقربوا المسائل العقيدية التى لا تتفق مع العلم التجريبي وواقع الأشياء و
منطق الأشياء فصاروا يؤولون فيها و هم بذلك يريدون أن يخضعوا كل قضايا
الدين لنطاق التجربة .
و لو أن هذه المسائل دخلت تحت نطاق التجربة لما كانت المسألة فى حاجة إلى رسول ولا إيمان بالله .
ولا يبقى عقلك حجة على ما خلق … و كم من أشياء لم تكن داخلة تحت نطاق الحس
و لا تحت نطاق التجربة و بعد ذلك دخلت تحت نطاق الحس و تحت نطاق التجربة .
الأشياء التى كانت غيبا زمان ثم صارت مشهدا تجريبيا الآن و هذه الدلالة
على أن عقل الإنسان ليس مقياسا فى فهم الأشياء عقلك ليس له أن يوثق ذلك
أصدر ذلك عن الله أم لم يصدر ؟
و بعد ذلك هو قال أم لم يقل ذلك ؟
إن قال …. خذها أنت مثلما قال الحق تبارك و تعالى … و بعد ذلك يكون البحث
و الإجتهاد فاهتداء عقلك لبعض الأسرار قد يجعلك تؤمن عن يقين و عن ثقة
بالأشياء و أنت لم تشهدها .
قال تعالى بسورة البقرة : ”
اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ
سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن
ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ
إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ
يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ {255} “

و يحيطون …. جعل الإحاطة و نسبها للبشر ، لكن بإذن الله فكان كل غيب عن البشر له مقدمات فى الكون من أجل أن يظهر .
قال تعالى بسورة الجن : ”
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً {26} إِلَّا
مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ
وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً {27} “ فالمقدمات تفضل من الله على الإنسان .
بعض العلماء قال : ” النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) “ أنها ليست السحر …
قال تعالى بسورة البقرة : ”
وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ
وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ
يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ
بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى
يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ
مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم
بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ
مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ
مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ
أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ {102} “

فالسحر ليس عملية بشرية و أصله عملية علوية فالشياطين علموها للبشر و بعد ذلك البشر تناقلوها
الزمن و المسألة لهما مقدار عند الإنسان و ليس لهما مقدار عن الجن و لا يستطيع الإنسان أن ينفد من الحائط بينما الجن ينفد منه .

المصدر

كتاب الفتاوى كل ما يهم المسلم فى حياته و يومه
و غده لفضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى الجزء الثالث ص 76 من نقلي بأحد
المواقع الإسلامية