[size=24][/size]علي بن أبي طالب (23 ق.هـ - 40هـ، 600 - 661م). علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. صحابي جليل ورابع الخلفاء الراشدين وابن عم رسول الله ³. وُلد بمكة، وهو هاشمي قرشي من أبوين هاشميين، ويقال إن اسمه الذي اختارته له أمه هو حيدرة على اسم أبيها أسد، والحيدرة في اللغة معناها الأسد، ثم غيره أبوه فسماه عليّا وبه عُرف واشتهر بعد ذلك.
وكان علي أصغر أبناء أبويه، يكبره كل من جعفر وعقيل وطالب، وبين كلّ منهم والآخر عشر سنين. قيل إن عقيلاً كان أحب هؤلاء الإخوة إلى أبيه، فلما أصاب القحط قريشًا وأهاب رسول الله عليه الصلاة والسلام بعميه حمزة والعباس أن يحملا ثقل أبي طالب في تلك الأزمة جاؤوه وسألوه أن يدفع إليهم ولده ليكفوه أمرهم، فقال: دعوا لي عقيلاً وخذوا من شئتم. فأخذ العباس طالبًا وأخذ حمزة جعفرًا وأخذ النبي عليه السلام عليًا كما هو مشهور. فعوَّضه إيثار النبي بالحب عن إيثار أبيه.
نشأته وإسلامه. نشأ وتربى في بيت النبوة، وعرف العبادة من صلاة النبي وزوجته الطاهرة. وجمعت بينه وبين صاحب الدعوة قرابة مضاعفة ومحبة أوثق من محبة القرابة، فكان ابن عم محمد ³ وربيبه الذي نشأ في بيته ونعم بعطفه وبره.
واختلفوا في سنّه حين إسلامه بين السابعة والعاشرة، وكان النبي ³ يتعبد في بيته عبادة الإسلام قبل الدعوة بفترة غير قصيرة، ولم يكن يمنع عليًا أن يألف تلك العبادة في طفولته المبكرة.
صفاته ومكانته. تدل الأخبار على قوته الجسدية البالغة. وقد اشتُهر عنه أنه لم يصارع أحدًا إلا صرعه، ولم يبارز أحدًا إلا قتله، ويصيح الصيحة فتنخلع لها قلوب الشجعان. ومن مواقفه الشجاعة نومه في فراش النبي ليلة الهجرة، وثباته يوم أُحد وحُنَيْن حين فزع الناس وفروا، وبطولته يوم خَيْبر وفتحه للحصن ووقفته يوم الجَمَل وصِفِّين والنهروان وغير ذلك من المشاهد. وتقترن بالشجاعة صفة الثقة أو الاعتزاز والهيبة ولا سيما في مواقف النزال.
زهده وكرمه. كان وهو أمير المؤمنين، يأكل الشعير الذي تطحنه امرأته بيديها. وقد أُثر عن عمر بن عبد العزيز أنه قال ¸أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب·. وقد أبى أن ينزل القصر الأبيض بالكوفه إيثارًا للخِصَاص التي يسكنها الفقراء. وقد كان من كرمه أن يؤثر الفقراء والمساكين على نفسه، وكثيرًا ما قدم طعامه الذي لا يملك غيره لمسكين أو يتيم أو أسير.
عبادته وعلمه. كان رضي الله عنه من أكثر الصحابة عبادة وورعًا، وهو الذي كرَّم الله وجهه بعدم السجود للأصنام. وكان علي محجة في الإسلام لا يحيد عنها لبغية ولا لخشية، وكان دينه له ولعدوِّه، بل له ولعدو دينه، كان الحق عنده لكل من استحقه وإن بهته وآذاه. والدليل على ذلك حادثة درعه الذي وجده عند رجل نصراني، ومقاضاته إلى شريح القاضي وهو أمير المؤمنين، فقد حكم شريح بالدرع للنصراني لعدم وجود بيّنة عند علي، ثم رد النصراني الدرع وأسلم، فأهدى عليّ الدرع للنصراني.
وقد كان رضي الله عنه من أعلم الصحابة. قال أحد كبار التابعين، وهو مسروق بن الأجدع بن مالك: ينتهي علم الصحابة لستة، ومن ستة إلى اثنين؛ علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود. أحسن أهل الإسلام علمًا وفقهًا وعبادة ًوعملاً. فكانت فتاواه مرجعًا للخلفاء والصحابة في عهود أبي بكر وعمر وعثمان، وندرت مسألة من مسائل الشريعة لم يكن له رأي فيها يؤخذ به أو تنهض له الحجة بين أفضل الآراء. وكان عمر بن الخطاب يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن ¸كنية عليّ·، وقد روى رضي الله عنه عن النبي ³ (586) حديثًا، وكان نقش خاتمه الله الملك، كما كان من أكابر الخطباء والبلغاء والفصحاء.
مكانته. أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وحامل اللواء في أكثر المشاهد، ولما آخى النبي ³ بين أصحابه قال له: أنت أخي. ولما غزا رسول الله ³ غزوة تبوك وخلف عليًا في أهله، وقال بعض الناس: ما منعه أن يخرج إلا أنه كَرِه صحبته، فبلغ ذلك عليًا فذكره للنبي ³، فقال له النبي: (أيا ابن أبي طالب أما ترضى أن تنزل منّي بمنزلة هارون من موسى؟ ) (وفي رواية: إلا أنه لا نبي بعدي؟) وفي يوم خيبر، قال رسول الله ³: لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه. فلما أصبح رسول الله ³، غدوا وكلهم يرجو أن يُعطاها، فقال رسول الله ³ أين علي بن أبي طالب، قالوا: هو يشتكي عينيه، فأتي به فبصق في عينيه ودعا فبرأ فأعطاه الراية، ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية: ﴿فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم﴾ آل عمران: 61. دعا رسول الله ³ عليًا وفاطمة وحسنًا وحسينًا وقال اللهم هؤلاء أهلي. وكان رضي الله تعالى عنه، أحد أصحاب الشورى الذين نص عليهم عمر رضي الله عنه بعد أن طُعن، فعرض الخلافة عليه عبدالرحمن بن عوف وشرط عليه شروطًا امتنع من بعضها فعدل عنه إلى عثمان فقبلها فولاه وسَلَّمَ عليّ وبايع عثمان. ولم يزل بعد النبي ³ متصديًا لنصرة الدين والعلم إلى أن قُتل عثمان رضي الله عنه، فبايعه الناس وتسلم الخلافة.
زوجاته وأولاده. خطب علي بن أبي طالب فاطمة الزهراء بنت رسول الله ³ وأمهرها درعًا أهداه إليه الرسول ³ في غزوة بدر، فاشتراه عثمان بن عفان بأربعمائه وسبعين درهمًا حملها عليّ ووضعها أمام الرسول، فتناولها بيده الكريمة ثم دفعها إلى بلال ليشتري ببعضها طيبًا وعطرًا ثم يدفع الباقي إلى أم سلمة لتشتري جهاز العروس.
ودعا الرسول صحابته فأشهدهم أنه زوَّج ابنته فاطمة من عليّ بن أبي طالب على أربعمائة مثقال من فضة، على السُّنة القائمة والفريضة الواجبة، وختم خطبة الزواج بمباركة العروسين الهاشميين، والدعاء لهما بالذرية الصالحة. ثم قدَّم إلى الضيوف وعاءً فيه تمر. وعلى هذا النحو من البساطة، تمت خطبة الزهراء بنت النبي لابن عمه علي، فأصبح بذلك صهره وابن عمه. وتم عقد النكاح في شهر رجب بعد مقدمهم إلى المدينة وبنى بها في السنة الثانية للهجرة بعد مرجعهم من بدر، وكان علي ابن خمس وعشرين سنة وكانت فاطمة بنت ثمانية عشر عامًا، واحتفل بنو عبد المطلب بهذا الزواج كما لم يحتفلوا بزواج مثله من قبل، وجاء حمزة (عم النبي) وعلي بشارفين (بعيرين) فنحرهما وأطعم سكان مدينة الرسول.
ولم تكن حياة الزهراء في بيت زوجها مترفة ولا ناعمة، بل كانت توصف بالخشونة والفقر، وكانت الزهراء تقوم على خدمة زوجها ما وسعها الجهد.
عاش مع فاطمة رضي الله عنها لا يقرن بها زوجة حتى ماتت بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام بستة أشهر، وهذا رعاية لها ورعاية لمقام أبيها لا شك فيها. وقد وَلدت له أشهر أبنائه وبناته: ¸الحسن، الحسين، محسن، أم كلثوم، زينب·، وماتت ولما تبلغ الثلاثين من عمرها رضي الله تعالى عنها. وقد تزوج عليّ بعدها تسع نساء وهن ¸خولة بنت جعفر بن قيس، ليلى بنت مسعود بن خالد، أم البنين بنت حِزام بن خالد، أم ولد، أسماء بنت عُميس الخثعمية، الصّهباء وهي أم حبيب بنت ربيعة بن بجير، أمامة بنت أبي العاص بن الربيع، أم سعيد بنت عروة بن مسعود، مُحيّاة بنت امرئ القيس بن عدي. وقد رُزق منهن أبناء وبنات. وأما أبناؤه فهم؛ الذكور: محمد الأكبر الملقب ابن الحنفية، عبيد الله، أبو بكر، العباس الأكبر، عثمان الأكبر، جعفر الأكبر، عبد الله، محمد الأصغر، يحيى، عون، عمر الأكبر، محمد الأوسط. وأما الإناث فهن: رقية، أم الحسن، رَمْلَة، أم هانئ، ميمونة، زينب الصغرى، رملة الصغرى، أم كلثوم الصغرى، فاطمة، أُمامة، خديجة، أم الكرام، أم سلمَة، أم جعفر، جمانة، نفيسة. ويرجح أن يكون عدد أولاده 34 ولدًا، منهم 15 ذكرًا و 19 أنثى.
خلافته ووفاته. ولي علي الخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان سنة 35هـ، فقام بعض أكابر الصحابة يطلبون القصاص من قتلة عثمان، وتوقع علي الفتنة، فتريث، فغضبت عائشة رضي الله عنها، وقام معها جمع كبير في مقدمهم طلحة والزبير، وقاتلوا عليًا، فكانت وقعة الجمل سنة 36هـ وظفر علي بعد أن كثر قتلى الفريقين. ثم كانت وقعة صفين سنة 37هـ، وخلاصة خبرها أن عليًا عزل معاوية عن ولاية الشام، يوم ولي الخلافة، فعصاه معاوية، فاقتتلا مائة وعشرة أيام قُتل فيها من الفريقين عدد كبير، وانتهى القتال بتحكيم أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص، فاتفقا سرًا على خلع علي ومعاوية، وأعلن أبو موسى ذلك، وخالفه عمرو فأقر معاوية، فافترق المسلمون ثلاثة أقسام: الأول بايع لمعاوية وهم أهل الشام، والثاني حافظ على بيعته لعلي وهم أهل الكوفة، والثالث اعتزلهما ونقم على الإمام علي رضاه بالتحكيم وهم فرقة الخوارج. وكانت وقعة النهروان سنة 38 هـ بين علي وأُباة التحكيم، وكانوا قد كفّروا عليًا ودعوه إلى التوبة واجتمعوا جمهرة، فقاتلهم، فقُتلوا كلهم. وأقام علي بالكوفة (دار الخلافة) إلى أن قتله عبدالرحمن بن ملجم المرادي غيلة في 17 رمضان المشهورة سنة 40هـ.
.