إذا كان التوافق السياسي بين فتح وحماس خيارا مطروحا ضمن خيارات متعددة في فترة سابقة فهو اليوم بعد كل هذا التعدي الصارخ على جوهر القضية الفلسطينية حاجة ملحة وضرورة تاريخية لبقاء الحق الفلسطيني والتحدي الفلسطيني للاحتلال قويا دون تآكل أو توهين للجهود الطامحة والعاملة لبناء الدولة، لكن للأسف للآن لم تستوعب كل من فتح وحماس معنى هذه الحاجة وضرورتها وخطورة الانزلاق المستمر في حين الخلافات البينية التي أودت بالتوافقيات والاتفاقيات المتعددة التي نشأت بين الطرفين، ومنها اتفاق مكة الذي بات قاب قوسين أو أدنى من إعلان تجميده ليكون بذلك مجرد ديكور سياسي في الحالة السياسية التي يعيشها الفلسطينيون.
المشكلة تكمن في أن كل طرف أصدر حكما مسبقا على الطرف الآخر ، فتح تنظر لحماس على أنها تحمل أجندة خاصة بها تعمل على تحقيقها من خلال سياسة إقصاء الآخر حتى لو كان هذا الآخر بحجم فتح وما لها من شعبية وحضور، كما تظهر صورة حماس في عين فتح على أنها بمنهجها العسكري تطيح بكافة الجهود والتسويات والمنجزات ، أما حماس فتنظر لفتح على أنها تحمل رؤية سياسية قابلة لتقديم التنازلات بالمجان مما يعود بالخسارة والخطورة على القضية الجوهر إضافة لما تعتبره حماس خدمة لمصالح الشخصيات والرموز لدى فتحن وبالمحصلة فإن هذه الأحكام المسبقة من طرف على آخر من شأنها أن تبقي فتيل الأزمات والاشتباكات قابلا للاشتعال بعد أي اتفاق هش وفي أي وقت، فما أن تومض بارقة أمل في حل خلاف ما من سلسلة خلافات فتح وحماس حتى يتبدى خلاف آخر، وخلال فترة الأشهر القليلة الماضية ما قبل اتفاق مكة والى اليوم فإن القتلى الفلسطينيين على أيدي طرفي المعادلة الفلسطينية يساوي أو أنه يقارب عدد شهداء الاحتلال دون مبالغة أو تهويل.