إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . أما بعد ؛؛
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد فإن مهمة المربي عظيمة جداً ، وعمله من أشرف الأعمال إذا أتقنه ، وأخلص لله تعالى فيه ، وربى الطلاب التربية الإسلامية الصحيحة .
والمربي والمربية يشمل المدرس والمدرسة ، والمعلم والمعلمة ، ويشمل الأب والأم ، وكل من يرعى الأولاد .
فالمـدرس مربـي الأجيال ، وعليه يتوقف صلاح المجتمع وفساده ، فإذا قام بواجبه في التعليم ، فأخلص في عمله ، ووجه طلابه نحو الدين والأخلاق ، والتربية الحسنة سعد الطلاب وسعد المعلم في الدنيا والآخرة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عمله علي رضي الله عنه :
(فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر ( ) النعم)
وقال صلى الله عليه وسلم (مُعلم الخير يستغفر له كل شئ ، حتى الحيتان في البحر) .
وإذا أهمل المعلم واجبه ، ووجه طلاب نحو الانحراف ، والمبادئ الهدامة ، والسلوك السيئ ، شقى الطلاب ، وشقى المعلم ، وكان الوزر في نقه ، وهو مسئول أمام الله تعالى لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كلم راع وكلكم مسئول عن رعيته) .
والمعلم راع في مدرسته ، وهو مسئول عن رعيته )
فليكن إصلاحك لنفسك أيها المربي والمعلم قبل كل شئ ، فالحسن عند الأولاد ما فعلت ، والقبيح عند الطلاب ما تركت ، وإن حسن سلوك المربي والمعلم والمعلمة والأب أفضل تربية لهم .
وقد كتبت هذا النداء إلى أخواني المعلمين وأخواتي المعلمات ليستفيدوا منها في عملهم بعد خبرة في التعليم استمرت أربعين عاماً ، ليعرفوا كيف يكونوا معلمين ناجحين .
والله أسأل أن ينفع بها المسلمين ، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم .
مهمة المربي الناجح :
إن من أهداف التربية والتعليم إنشاء شخصية ذات مُثل عليا ، هذه الشخصية يجب أن تكون مرتبطة بربها ، تستمد منه نظام حياتها ، وتعمل على تقويم مجتمعها ، وتصحيح مفاهيمه على أسس صحيحة ، وهذه هي رسالة المعلم والغرض من تربيته وتعليمه .
ومن المعلوم أن للتربية أسساً تقوم عليها تختلف باختلاف المجتمعات واتجاهاتها ، فإذا كانت أسس التربية في المجتمع الشيوعي مثلاً ترتكز على الماديات ونفي الروحيات وقطع صلة الطالب بربه ، وإذا كانت أسس التربية في المجتمعات الغربية تقوم على الاستغلال والأنانية والانحلال ، فإن أسس التربية في المجتمع الإسلامي تقوم على إيجاد العقيدة الصحيحة ، والعواطف النبيلة ، والآداب السامية التي تتمثل في علاقة الطالب بربه ، وعلاقته بمعلمه ، وزميله ، وإدارة مدرسته ، ومن ثم علاقته بأسرته .
وإذا أردنا أن نحقق هذه الشخصية في الواقع العملي فإن علينا ايجاد المربي الناجح في التربية والتعليم .
هذا المربي يجب أن تتوفر فيه شروط وآداب حتى يكون مربياً صالحاً ومعلماً نافعاً .
شروط المربي الناجح في التربية والتعليم :
1- أن يكون ماهراً في مهنته ، مبتكراً في أساليب تعليمه ، محباً لوظيفته وطلابه ، يبذل جهده لتربيتهم التربية الحسنة ، يزودهم بالمعلومات النافعة ، ويعلمهم الأخلاق الفاضلة ، ويعمل على إبعادهم عن العادات السيئة ، فهو يربي ويعلم في آن واحد .
2- أن يكون قدوة حسنة لغيره ، في قوله وعمله ، وسلوكه ، من حيث قيامه بواجبه نحو ربه ، وأمته وطلابه ، يحب لهم من الخير ما يحبه لنفسه وأولاده ، يعفو ويصفح ، فإن عاقب كان رحيماً .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) .
3- من شروط المعلم الناجح أن يعمل بما يأمر به الطلاب من الآداب والأخلاق وغيرها من العلوم ، وليحذر مخالفة قوله لفعله ، وليسمع قول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} .
وهذا إنكار على من قال قولاً ولم يعمل به .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم إني أعوذ بـك من علم لا ينفع) ، أي لا أعمل به ، ولا أبلغه غيري ، ولا يُهذب من أخلاقي .
وقول الشاعر :
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
4- على المعلم أن يعلم أن وظيفته تشبه وظيفة الأنبياء الذين أرسلهم الله تعالى لهداية البشر وتعليمهم ، وتعريفهم بربهم وخالقهم ، وكذلك هو في منزلة الوالد في عطفه على طلابه ، ومحبته لهم ، وأنه مسئول عن هؤلاء الطلاب : عن حضورهم ، واهتمامهم بدروسهم ، بل يحسن به أن يساعدهم في حل مشاكلهم وغير ذلك مما يُعد من مسئولياته ، قال صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) .
وليعلم أنه مسئول أمام الله عن طلابه ماذا علمهم ؟ وهل أخلص في البحث عن السبل الميسرة لإرشادهم ، وتوجيههم التوجيه السليم ؟ .
قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله سائل كل راع عما استرعاه ، أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) .
ثم إن عليه أن يخاطبهم بما يفهمون كل على قدر فهمه .
قال علي رضي الله عنه : ( حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يُكذب الله ورسوله؟
5- إن المعلم بحكم مهنته يعيش بين طلاب تتفاوت درجات أخلاقهم وتربيتهم وذكائهم ، لذلك فإن عليه أن يسعهم جميعاً بأخلاقه ، فيكون لهم بمنزلة الوالد مع أولاده ، عملاً بقول المربي الكبير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا لك بمنزلة الوالد أعلمكم) .
6- على المعلم الناجح أن يتعاون مع زملائه ، وينصحهم ، ويتشاور معهم لمصلحة الطلبة ، ليكونوا قدوة حسنة لطلابهم ، وعليهم جميعاً أن يقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث خاطب الله تعالى المسلمين بقوله : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .
7- التواضع العلمي :
الاعتـراف بالحق فضيلة ، والرجوع إليه خير من التمادي في الخطأ ، فعلى المعلم أن يتأسى بالسلف الصالح في طلبهم للحق والإذعان له إذا تبين لهم أن الحق بخلاف ما يُفتون أو يعتقدون .
المعلم الذي يريد النجاح في مهنته ، أن يُذعن للحق ويتراجع عن خطئه إذا أخطأ ، ويعلم طلابه هذا الخلق العظيم ، ويبين لهم فضل التواضع والرجوع إلى الحق ، وأن يطبق ذلك عملياً في الفصل ، فإذا رأى إجابات بعض الطلبة أفضل من إجابته ، فليعلن ذلك وليعترف بأفضلية إجابة هذا الطالب ، فذلك أدعى لكسب ثقة طلابه ومحبتهم له .
8- الصدق والوفاء بالوعد :
على المعلم أن يلتزم الصدق في كلامه ، فإن الصدق كله خير ، ولا يربي تلاميذه على الكذب ، ولو كان في ذلك مصلحة تظهر له :
فالصدق خلق عظيم ينبغي على المعلم أن يزرعه في طلابه ، ويجيبهم إليه ويعودهم عليه ، وليكن مطبقاً له في أقواله وأفعاله ، حتى في مزاحه معهم عليه أن يكون صادقاً ، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً ، وليحذر المعلم أن يكذب على طلابه ولو مازحاً أو متأولاً ، وإذا وعدهم بشئ فعليه أن يفي بوعده ، حتى يتعلموا منه الصـدق ، والوفاء قولاً وعملاً ، لأن الطلاب يعرفون الكذب ويدركونه ، وإن لم يستطيعوا مجابهة المعلم به حياء منه .
9- الصبر :
على المعلم أن يتحلى بالصبر على مشاكل الطلاب والتعليم ، فـإن الصبر أكبر عون له في عمله الشريف .