فى شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة أعلن النبى صلى الله عليه وسلم التعبئة العامة ضد الإمبراطورية البيزنطية ، ومن حالفها من الغساسنة ، فقد سبق لهذا العدو المشترك أن اعتدى على سفير النبى صلى الله عليه وسلم وأوقع بجيش المسلمين بغزوة مؤتة التى سقط فيها عدد من المسلمين فيهم القواد الثلاثة الذين تولوا إدارة المعركة ، واستطاع خالد بن الوليد حين انتهت القيادة أن يخلص الجيش من هزيمة كاملة .
ومن ناحية أخرى رأت الروم من واجبها وإرضاء لأحقادها السوداء على الإسلام وعلى نبى الإسلام أن تتولى القضاء على هذا الدين وعلى من جاء به فجمعت جموعاً كثيرة بالشام من الجنود المرتزقة والذين أعطاهم هرقل رزق سنة مقدماً كما جلب معهم فى هذه الجموع لخماً وغسان وغيرهما ، وزحفت هذه الجيوش إلى أطراف الجزيرة العربية .
وجد النبى صلى الله عليه وسلم فى إعداد جيش يقابل به جيش الروم ولم يكن الأمر سهلاً أو هيناً إذ التجهيز لهذه الغزوة كان زمن عسرة من الناس وشدة حر وجدب فى البلاد .
بيد أن العرب أرعبهم أن يقفوا وجهاً لوجه أمام الروم .
ثم ان بلاد الروم بلاد بعيدة عن عاصمة المسلمين والوصول إليها شاق وعصيب ويبعد المقاتلين عن مراكز التموين وإمداده بالمدد والمساعدات ، وهذه الظروف جعلت المنافقين يعلنون عن نفاقهم ويتخلفون عن ركب المجاهدين ، بل جعلهم يحاولون تثبيط همة المقاتلين وإضعاف عزائمهم وقد نزلت فيهم آيات من القرآن الكريم منها قول الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاعا لحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل " سورة التوبة الآية 38 . وبجانب هؤلاء كان هناك مسلمون امتلأت قلوبهم بالإيمان يستجيبون إذا دعوا ويقدمون أنفسهم وأموالهم لخدمة الإسلام دون خوف أو تردد .
وكان من الذين قدموا اموالهم ابو بكر الذي قدم ماله كله وعمر الذي قدم نصف ماله وعثمان الذي قدم 950 جملا وخمسون فرسا واموال كثيرة وعبد الحمن ابن عوف وغيرهم
وقد سمي هذا الجيش بجيش العسرة لما أحاط بتكوينه من صعوبات وقد من الله عليهم بالرضى وأنزل ذلك فى محكم آياته فقال تعالى : لقد رضى الله على النبى والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه فى ساعة العسرة وزحف هذا الجيش الفدائى بشجاعة وتصميم على خوض غمار القتال مهما كانت النتائج وكان تعداده أكثر من أربعين ألف مجاهد ولم يكن يتوقع الرومان أن يستجيب مثل هذا العدد الضخم فى مثل تلك الظروف العصيبة لداعى الجهاد وقد راعهم ان يبادرهم هذا الجيش فى عقر دارهم، ولذلك نجد جيش الروم تأخذه المباغتة ويتقهقر إلى داخل بلاده ليتخذ موقف الدفاع بعد أن كان هو الذى يريد الهجوم .
ولم يشأ النبى صلى الله عليه وسلم أن يهاجم العدو بعد أن تراجع حقناً للدماء ، ورابط بجنوده عند تبوك حيث أوقع الرعب بالأعداء وعقد بعض المعاهدات التى شملت سكان تبوك وأيلة كما وجه خالد بن الوليد مع فرقة من الجيش إلى دومة الجندل فخضعت له و صالحته على دفع الجزية بعد أن حقن النبى صلى الله عليه وسلم دم أكيدر رئيسها وخلى سبيله فرجع إلى قريته وانتهت بذلك غزوة تبوك وهى آخر غزوات النبى صلى الله عليه وسلم وبعدها توالت الوفود العربية تعلن إسلامها وبيعتها لنبى صلى الله عليه وسلم.